الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما بين حكومة لقاء مكة 2007 وحكومة لقاء مخيم الشاطئ 2014

2014-05-27 00:00:00
ما بين حكومة لقاء مكة 2007 وحكومة لقاء مخيم الشاطئ 2014
صورة ارشيفية

بقلم: أ.د/ إبراهيم أبراش

وكأننا أمام مشهد شبيه بما جرى نهاية عام 2006، وقُبَيِل وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في مارس 2007، ولكن هذه المرة المشهد أكثر خطورة، لأن النخب السياسية لم تستفد كثيراً مما جرى في تلك الفترة، ولأننا اليوم ندفع ثمن فشل حكومة لقاء مكة “حكومة الوحدة الوطنية”. آنذاك وبعد حوالي عام على تفرد حركة حماس بالحكم/ وتمَنُع حركة فتح المشاركة في الحكومة، وبعد الحصار الذي تم فرضه على السلطة سواء في غزة أو في الضفة، تكثف الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، وجرت حوارات تُوجت بلقاء مكة في فبراير 2007، الذي أدى لتشكيل حكومة “وحدة وطنية” أو حكومة رفع الحصار، كما تم تسميتها، لم تستمر إلا ثلاثة أشهر، ثم جرى ما جرى من حرب أهلية وانقسام ما زلنا نعيش واقعه وتداعياته المدمرة .

عندما نقول إننا أمام مشهد شبيه، في ظل ظروف أكثر مأساوية، فلأن أطراف المكونات الداخلية لمعادلة الانقسام لم تأخذ العبرة من التجربة السابقة، حيث انصبت حوارات مكة على كيفية التجاوب مع طلبات المملكة السعودية وإغراءاتها المالية وعلى كيفية تمرير مصالحة شكلية ترفع الحصار المفروض على السلطة، وتنقذ كل طرف من مأزقه السياسي والتنظيمي والمالي، دون تفكير بمراجعة استراتيجية عند كل طرف تؤسِس لاستراتيجية وطنية جديدة، واكتفت أطراف لقاء مكة على اعتماد وثيقة الوفاق الوطني، شكلياً، كبرنامج سياسي للحكومة، دون الغوص في التطبيق العملي للنصوص الملتبسة والعامة لوثيقة الوفاق الوطني، حيث كانت وثيقة الوفاق الوطني تتضمن 18 بنداً تم اختزالها ببند الحكومة، وبقيت قضايا المقاومة وسلاحها والقوة التنفيذية لحماس والاعتراف بالاتفاقات الموقعة وتفعيل منظمة التحرير... الخ دون حل، وكانت النتيجة فشل حكومة الوحدة الوطنية بعد ثلاثة أشهر لتعود الأمور أسوأ مما كانت.

وهكذا بعد ثماني سنوات تقريباً من فشل حكومة الوحدة الوطنية، تفشت خلالها حالة من الإحباط واللامبالاة من المصالحة، وانتشرت حالة من الخوف والقلق من المستقبل، سواء الخوف على مستقبل الأبناء أو مستقبل الوطن، وخصوصاً بعد التدهور المريع للأوضاع في قطاع غزة، وانتشار ثقافة الخوف إلى درجة الخوف من خروج الناس لمواجهة حكومة حماس وأجهزتها الأمنية، ليس خوفاً من أجهزة حماس ولكن خوفاً من مزيد من فتنة لن تخدم إلا العدو الصهيوني، وانتشرت حالة من الخوف والقلق في الضفة بعد انغلاق أفق تسوية مشرفة تنهي الاحتلال، وتضع حداً لعربدة المستوطنين وحكومتهم، والخوف من مشاريع بديلة للدولة الفلسطينية تشتغل عليها إسرائيل وأطراف عربية وشخصيات فلسطينية. في هذه الأجواء تم تحريك ملف المصالحة في لقاء الشاطئ يوم 23 أبريل، ومعه يعيش الفلسطينيون حالة من الترقب مع قليل من التفاؤل بإمكانية الخروج من هذه الحالة وخصوصاً مع تأخير الإعلان عن الحكومة وغموض سبب التأخير. 

 نتمنى بداية أن لا يتم اختزال المصالحة بتشكيل حكومة، كما جرى في مصالحة لقاء مكة. وحتى بالنسبة للحكومة فمع قرب نهاية فترة الخمسة أسابيع المقررة لتشكيل الحكومة، جاءت التصريحات والتفسيرات المتناقضة والمثيرة للبس حول سبب عدم الإعلان عنها حتى الآن، وحول برنامج الحكومة، بل ذهب البعض للقول بأن الحكومة لا تحتاج لبرنامج، وحول الغرض من تشكيلها، حيث ينظر كثيرون للحكومة كحكومة تأمين رواتب لموظفي حكومة حماس في القطاع، وتخفيف الحصار عن غزة، مع بقاء السيطرة الأمنية لحماس على القطاع، وآخرون ينظرون لما جرى وكأنها محاصصة بين حماس وفتح، ليس فقط على مستوى تقاسم المناصب الوزارية، بل وتقاسم ما كان يُفترض أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية، وآخرون يرون فيما جرى في مخيم الشاطئ استجابة لضغوط مصرية بهدف رفع الحرج عن مصر، المتهمة بأنها تحاصر الفلسطينيين في القطاع وراعية المصالحة لسنوات... الخ. إذا أضفنا لذلك ما نلمسه على الأرض من ضعف الجهود التعبوية والتحسيسية من كل الأطراف لأهمية المصالحة ووجود حكومة وحدة وطنية حقيقية، كل ذلك يدفعنا للتساؤل مجدداً هل نحن أمام  مصالحة إستراتيجية حقيقية؟ أم أمام “اتفاق مكة” جديد سيُنتِج حكومة قد لا تعمر أكثر مما عمرت حكومة اتفاق مكة؟ بل نتساءل، هل سيتم الإعلان عن الحكومة في المهلة المحددة أم ستؤجل إلى ما بعد ذلك؟

مع ترحيبنا بأية حكومة توافقية حتى لو كان توافقاً بين فتح وحماس فقط، وحتى لو كانت حكومة إنقاذ وطني، كما سماها عزام الأحمد، ومع تلمسنا لتوفر إرادة للخروج من الحالة العبثية التي تسود الحقل السياسي الفلسطيني، سواء في علاقاته البينية الداخلية أو علاقاته الخارجية، إلا أن تشكيل الحكومة لا يعني إنجاز المصالحة ومغادرة مربع الانقسام، حيث انبرى قادة من حركة فتح وحركة حماس ليؤكدوا أن الانقسام قد انتهي والوحدة الوطنية تحققت، حتى قبل أن يتم الإعلان عن الحكومة. خطاب خالد مشعل في الدوحة، قبل أيام حيث قال بثقة وبشكل قاطع، إن الفلسطينيين طووا صفحة الانقسام إلى غير رجعة. نتفهم أن تكون هذه التصريحات ترمي لطمأنة الشعب والأصدقاء القلقين والمشككين بالقدرة على تجاوز الانقسام وتحقيق المصالحة، ولكن يجب عدم توقف قطار المصالحة عند تشكيل الحكومة، فالحكومة، في حال إنجازها، جزئية صغيرة في ماراثون المصالحة الطويل والشاق، والتحدي الحقيقي سيبدأ من اليوم الأول لعمل الحكومة المنشودة.