الإثنين  16 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

متابعة "الحدث"| رحلة الفجر.. الحاج صالح يبيع العصير كفيفاً في نابلس منذ 50 عاماً

2017-10-23 02:02:45 PM
متابعة
الحاج صالح المسيمي

 

الحدث- *سالي حبيشة

 

قبل أن تنشر الشمس خيوطها في الأفق الممتد على مدينة نابلس وقراها، يكون الحاج صالح، قد أعد مشروب العصير المثلج، لبيعه أمام المدارس القريبة من مخيم بلاطة، أحد مخيمات اللاجئين في نابلس.

 

الحاج صالح واحد من بين عشرات الباعة المتجولين في شوارع مدينة نابلس، لبيع ما تحمله عرباتهم، حيث يستغل ما تبقى من أيام حارة نوعاً ما في بداية خريف هذا العام، ليسابق الزمن في بيع أكبر كمية ممكنة من البراد، لكنها رحلة تخفي وراءها المتاعب.

 

فمنذ أكثر من خمسين عاما يصحو الحاج صالح مبكرا قبل طلوع الفجر، ليحضر مشروب البراد، الذي اعتاد على بيعه أمام مدارس الذكور والإناث في مخيم بلاطة في مدينة نابلس.

 

قرب أحد مدارس المخيم كان ينادي على الأطفال ويدعوهم لشراء البراد "براد بورد"، وبيدين مجعدتين راجفتين يكسوهما الشعر الأبيض يتحسس ثلاجة البراد، ثم يبدأ بصب البراد في الكؤوس البلاستيكية.

 

وتزداد وتيرة بيع العصير المثلج في أيام الصيف الملتهب، و يشهد إقبالا كبيراً عليه في مدينة تنتشر فيها مئات المحال التجارية التي تسوق للمشروب مختلف الأذواق عن المشروب التقليدي.

 

يروي الحاج صالح المسيمي (80 عاماً) كيف بدأ العمل بمهنة بيع عصير البراد "كنت زمان أروح مع صديقي أبيع معاه ذرة لحتى جمعت حق العرباي، وبلشت أعمل ترمس وسمسميه وبراد على طريقتي الخاصة".

قبل عقود فقد الرجل العجوز بصره كليا، يقول إن آخر مكان قصده وهو مبصر مع والده كان لدفع فاتورة الكهرباء.

 

كان ذلك اليوم بالنسبه للحاج صالح أصعب أيام حياته، فقد شعر بغباش بالرؤيه وبعد ذهابه لأكثر من طبيب لم يستفد شيئاً، فجمعيهم نصحوه بالذهاب إلى مستشفى هداسا في القدس، وبعد انتظار دام سبع سنوات بسبب صعوبة التصاريح، حصل على موافقة للذهاب وإجراء العملية، لكن ما حدث لم يكن في المتوقع فبعد العملية فقد نظره كليا .

 

لم يستطع بعدها تصديق الأمر، فقصد برفقة والده لاجراء عملية في الأردن، وما تبين بعدها أن تأخر العملية سبب له تمزق في الشبكية.

 

ولأنه كفيف طاعن السن، يبدو مستغرباً أن يمشي يومياً كل هذه المسافة من بين أزقة المخيم، حتى يصل إلى منطقة المدارس حيث يعمل.

 

بعيون مليئة بالحزن يروي نجله عطا الله المسيمي، لحظات إعداد والده عصير البراد، وكيف يتحسس الطريق بين أزقة المخيم، ليصل معه إلى أمام المدارس.

 

يقول عطا الله إنه يعد العصير المثلج مع والده يوميا، لكن هذه الرحلة لا تمر مرور الكرام، فهناك مواقف كثيرة كاد الاحتلال أن يقتل والده عند إطلاقه النار صوب العربة.

 

ويلاحظ يومياً العشرات من بائعي العصير المثلج في شوارع مدينة نابلس، مستغلين إقبال طلبة المدارس عليهم.

وفي نهاية الحديث، بدا عطا الله فخورا بوالده بالرغم من أوضاع المخيم، وكل الصعوبات التي واجهته، إلا أنه استطاع أن يتغلب على كل شيء، وعمل جاهدا على تعليم إخوته وأخواته حتى استطاعوا التخرج من الجامعة، وكان دائماً يقول لهم "العمل ليس عيبا والعيب هو الاستسلام".

 

 

من قلب المحنة والألم وزقاق المخيم يواصل الحاج صالح المسيمي حياته كفيفاً، تزوج وانجب ثمانية من الأبناء، قدم لهم كل ما يملك من حنان ودفئ وتربية لها من اسمه نصيب.

 

وبينما يدخل عقده الثامن في حياته، يبدو أنه لم يفكر بعد بالتقاعد عن عربة البراد فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس "براد بورد.. براد بورد".

 

وبيع العصير المثلج او كما يحبب لدى سكان نابلس تسميته البورد، واحد من عشرات المهن البيتية الذي تعتمد عليه مئات العائلات في المدينة.

 

*سالي حبيشة طالبة اعلام في سنتها الثالثة في جامعة النجاح الوطنية.