السبت  18 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ترجمة "الحدث"| القدس (ليست) عاصمة إسرائيل

2017-12-13 05:46:41 AM
ترجمة
صورة EPA

 

الحدث- ريم أبو لبن

 

نشرت مجلة Foriegn Policy الأمريكية تحليلا حول إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن القدس، عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

 

وجاء في التحليل أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفض ما جاء به القانون الدولي وما نص عليه بشأن تصويب وضع القدس، وهذا قد أثر بشكل فعلي على إنهاء ما تسمى "عملية السلام". بحسب ما أشار موقع مجلة السياسة الخارجية الأمريكية والشؤون الدولية " فورين بوليسي".

 

من يتحدثون باسم دولة الاحتلال الإسرائيلي ويقفون موقف المؤيد والمدافع لقرار ترامب "الاستفزازي" والذي أقره في السادس من ديسمبر/ كانون الأول  والقاضي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل هم أنفسهم يقرون بأن "إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا يسمح لها بتحديد عاصمتها في مدينة وطنية ومن اختيارها".

 

يبدو وكأنه تصريح يتسم بـ" البراءة"، حتى أنه رد بشكل واضح على المعايير المزدوجة العالمية وأخذ بعين الاعتبار الأبعاء السياسية والأخلاقية  والقانونية للوضع الراهن.

 

وللاستفادة من ردات الفعل المتعاكسة، يجب أن يكون صياغة الموقف  المتعلق بالدولة الإسرائيلية أكثر عمقاَ، والموقف يجب أن يصاغ بـ: " إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم والتي تتجرؤ فيها الحكومة بأن تحدد عاصمة لها في مدينة تقع خارج حدودها السيادية".

 

تحديد حدود دولة الاحتلال لحتى هذه اللحظة كان لتحقيق مقاصد في القانون الدولي، ويفترض أن تترك دولة الاحتلال مجالاَ لمزيد من التوسع الإقليمي الخاص بها حتى تحقق ما تصبوا إليه بشكل كامل لتصبح ( أرض الميعاد). وهذا يؤكد على الاعتقاد الكامل في (الكتاب المقدس) بأن القدس تخضع للسيادة والسيطرة الإسرائيلية.

 

وعلى وجه التحديد، ما يطلق إسرائيليا على مناطق الضفة الغربية، فهي معروفة لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي وضمن التسمية التوراتية بـ (يهودا والسامرة). مما تدلل هذه التسمية بأن هناك إعتقاد إسرائيلي خارجي بأن التراث الديني للشعب اليهودي سبق في مضمونه ووجوده القانون الدولي الحديث وما جاء فيه.

 

بالاضافة إلى ذلك، فقد ازدادت الشكوك حول النهج الذي اتبعه في القدس كلا من الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.

 

لنعود إلى ما لا يقل عن 70 عاماَ ماضية، حينما كان أصدر قرار تقسيم فلسطين (181) المثير للجدل، إذ أقرته الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر لعام 1947م، فيما تم تهنة دولة الاحتلال  وعلى مر السنوات لقبولها القرار، وهو ما يتناقض مع الموقف الفلسطيني الرافض له.

 

الفلسطينيون قد واجهوا أحداث متعاقبة متمثلة بنزع ملكية الأرض، وطردهم في الحرب التي تلت عام 1947 والتي تسمى "النكبة".

 

وخلال السنوات الماضية، كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي تخوض جدالاَ مفاده بأن قبولها لقرار الجمعية العامة رقم (181) هو يلغي الادعاءات والتظلمات المنسوبة إلىها فيما يخص "النكبة"، بما في ذلك حرمان الفلسطينيين من حق العودة، وعودتهم إلى بيوتهم. وفي المقابل فإن الفلسطينيين تربطهم علاقة أصيلة وقوية بأرضهم، بغض النظر عن مدى محاولة اقناعهم بأنهم حصلوا على حقوقهم ومطالبهم بالهوية الفلسطينية قد تحقق.

 

وهنا ما يسعى إليه الإسرائيليون بأن يتناسى العالم الوضع الحالي المتعلق بسياسة الأمم المتحدة تجاه القدس، والتي كانت جزءاَ لا يتجزء من قرار (181). في حين إسرائيل قد باعت قصة "كاذبة" للعالم بأن قرار (181) يقتصر على تقسم الأرض، غير أنها تعزز بذلك فكرة أن الجزئية المتعلقة بالقدس والواردة في القرار يمكن تجاهلها دون أي حدوث نقاشات ،وهي بذلك تستحق أن تكون ضي النسيان، وهذا ما تهدف إليه دولة الاحتلال.

 

ما  قدمته الأمم المتحدة في قرار (181) وما قبلت به إسرائيل في عام 1947، بأنه لا ينبغي على مدينة القدس أن تخضع للسيطرة السيادية لأي من الشعبين الفلسطيني أو الإسرائيلي وعليها أن تخضع للإدارة الأمريكية، وذلك حرصا في الحفاظ على الصلة مع الفلسطينين والهوية الوطنية اليهودية. وجاء هذا المقترح، لصعوبة التوفيق ما بين المطالب اليهودية والفلسطينية في مدينة القدس والمتعلقة بالأهمية الرمزية والدينية للمكان.

 

في ذات السياق، قد يقول المؤيدون لقرار ترامب بأن الفلسطينيين والعالم العربي ( بحكم مبادرة السلام العربية عام 2002) قد اتفقا وبصمت (تدويل) القدس أي ما يسمى "حل الدولتين"، حيث الافتراض المشترك بأن القدس سيتم تقاسيمها بطرق تسمح لكل من إسرائيل وفلسطين بإنشاء عاصمة لكل منهما داخل حدود المدينة.

 

خطة الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية دعت إلى أن تكون العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية والتي احتلت إسرائيلية على مدى خمسين عام ماضية، أي منذ حرب 1967م.          

    

هذا الاقتناع يفسر الرأي القائل بأن المسائل الشائكة ما بين دولة الاحتلال وفلسطين وتحديدا فيما يخص تصويب وضع القدس ينبغي أن يعالج في المرحلة الأخيرة ومن خلال مفاوضات السلام. وهنا لنضع الافتراضات بأن احتمالية حدوق مفاوضات سلام حقيقية قد يؤجل إلى أجل غير مسمسى، إذا ماذا بعد؟     

 

قد يتم بذل الجهود (الجيوسياسية) أو ما يسمى (الجيوبولتيكي)،  لملئ فراغ على حساب الأمم المتحدة، والقانون الدولي والأخلاقيات الدولية. وهنا قد نواجه مرة أخرى انقساما حرجاَ بين ما تدعيه إسرائيل ( وما تعززه السياسة الخارجية الأمريكية) وما يسمح به القانون الدولي.    

 

وبعد انتهاء حرب عام 1967م بشكل فوري أكدت دولة الاحتلال بأن القدس "العاصمة الأبدية" للشعب اليهودي، بينما توجهت تل أبيب إلى أبعد من ذلك، وقد اتسع هذا التوجه بموجب مرسوم قانوني إسرائيلي للمنطقة التي تشملها مدينة القدس، حيث تضاعفت مساحتها وحجمها وشمل المرسوم أيضا السكان الفلسطينيين في القدس.

 

دولة الاحتلال قد اتخذت التحركات من جانبها فقط وبشكل غير قانوني ضد المعارضة الموحدة داخل الأمم المتحدة في تحد الرأي العام العالمي، وحتى في مواجهة " التوبيخات" من قبل الشخصيات الرسمية ومنهم البابا فرنسيس.

 

وفقاَ للقانون الإنساني الدولي فإن القدس الشرقية هي  أرض محتلة ، وبالتالي فهي تخضع لاتفاقيات جنيف، حيث تنظم الاتفاقية الرابعة " الاحتلال الجزئي" وتستند إلى القاعدة القانونية الأساسية والتي تفيد بأنه على دولة الاحتلال بأن لا تتخذ أي خطوات حتى تلك الخطوات المبررة لاعتبارات أمنية.

 

وفي هذا الصدد، ليس من المستغرب بأن الممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى طمس هوية القدس الشرقية لاعتبارها أرضي محتلة، قد واجهت إدانة قانونية وسياسية من داخل الأمم المتحدة.

 

تنحي ترامب عن هذا الاجماع الدولي جاء ليس بسبب الضربة القوية الموجهة ضد دور الولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام، ولكن أيضا للقضاء بلا هوادة على نهج "الدولتين" وكأساس متفق عليه للسلام دون تقديم أي بديل.

 

بالعودة إلى السؤال المشتعل في الوضع الراهن، عن سبب حرمان دولة الاحتلال من حقها في تحديد مكان عاصمتها وأينما رغبت كما تفعل دول أخرى.  ويصياغة أخرى توضح المطالبة الإسرائيلية : " هل يحق لأي دولة أن تنشئ عاصمتها في مدينة محتلة بدلا من أن تخضع لسلطة سيادية محصورة بحكومة إقليمية؟".

 

يعتبر هذا الأمر ذو اهمية خاصة نظراَ للاتفاق العام السائد داخل المجتمع الدولي والقاضي بأن حق الفلسطينيين في تقرير المصير يشمل الحق في الحصول على عاصمة وطنية داخل أراضيهم وفي مدينة القدس.

 

تحاول إدارة ترامب تخفيف حده القرار المعلن بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل وذلك باعتبار أن الحل النهائي وترسيم حدود القدس لم ينتهي بشكل كامل وهو يتم من خلال مفاوضات ، غير أن هذا الاعلان قد صاحبه ارباك دولي ورفض للقرار.

 

بغض النظر عن اعتقاد دولة الاحتلال بأنها لا تحتاج إلى تقديم المزيد من التنازلات من أجل تحقيق السلام، فإن  خيار اتباع النهج (الجيوسياسي) لدعم موقف اسرائيل في القدس، وخاصة دون أي دعم مقدم من الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي كان الأسوء من أي خيار " فارغ".

 

من المستحيل في الوقت الراهن تقييم الضرر الذي نجم عن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وبنية البدء بعملية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، غير أنه يصعب معرفة هل هناك تصعيد عنيف ضد المقاومة والمنظمات " الإرهابية" المناهضة للولايات المتحدة؟ غير أن ملامح الحرب لم تعد معروفة حتى اللحظة على الرغم بأن التحركات قد ظهرت بشكل " متهور"، وسيتم التعامل مع هذه الخطوات على أنها نتائج ترامب.

 

وما يتضح بالفعل وينجم عن القرار هو الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسمعة القيادية العالمية والإقليمية للولايات المتحدة، فيما تبين أن الأمم المتحدة لا تتفق مع العزم " الجيوسياسي"، غير أن القانون الدولي والرأي العام العالمي قد وضعا جانباَ.