الجمعة  02 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

“الكوميديا السوداء” وسيلة للتنظير على قضايا المجتمع وهموم المواطن في غزة

2014-06-10 00:00:00
“الكوميديا السوداء” وسيلة للتنظير على قضايا المجتمع وهموم المواطن في غزة
صورة ارشيفية

نبيل الخطيب: نستخدم هامش الحرية المسموح بحذافيره ونطمح بالمزيد

محمود زعيتر: نُحاول نقد التصرفات الخاطئة والتعليق عليها بشكل فكاهي أملًا في تغييرها

إسلام أيوب: أُغني الوجع الفلسطيني لكسر حاجز الصمت

غزة-  محاسن أُصرف

باتت الكوميديا السوداء جزءً من الرغبة في التعبير عن الواقع المُعاش في العالم، وشيئًا فشيئًا انتقلت التجربة إلى قطاع غزة فشاهدنا بعضاً من الشباب يقوم بإنتاج مواد مُصورة وعرضها عبر قنوات يوتيوب على الإنترنت، جميعها تعكس الهم العام في إطار كوميدي ساخر، فتارة يتحدثون عن الكهرباء، وأُخرى عن شُح الوقود والانقسام وأيضًا عن بعض العادات الاجتماعية والسلوكيات الخاطئة أملًا في التنبيه لها ومحاولة تغييرها.

وظهرت العديد من الفرق في قطاع غزة، أكثرها رواجًا كانت فرقة تشويش التي يقودها محمود زعيتر، وفرقة بلدي يا غزة، إضافًة إلى فرقة يوميات وكذلك إسلام أيوب الذي مثّل حالة غنائية فريدة يُقدم خلالها رسالة على طبق من الصراحة لصناع القرار علهم يتذوقون بعضه فيُبدعون حلولًا.

“الحدث” اقتربت من أولئك الشباب ووقفت على تفاصيل تجاربهم ومدى نجاحهم في تسليط الضوء على مشاكل وقضايا المجتمع الفلسطيني ومساهمتهم في التنبيه لها كمقدمة لحلها.

التنظير لقضايا المجتمع

«من خلال الكوميديا السوداء أستطيع التنظير لقضايا المجتمع المختلفة»، هكذا بدأ حديثه إلينا نبيل الخطيب مدير فريق «بلدي يا غزة» ومؤسسة بيت الفن ومسؤول قسم الدراما بإذاعة الأقصى، يؤكد أن الأزمات المعيشية التي يُعانيها قطاع غزة شكلت لدى العديد من سُكانه إضافًة إلى حالة الألم حالة من السُخرية السوداء حاول وفريقه التعبير عنها، يقول في تصريحات خاصة لـ»الحدث» أهدافنا المحلية التنظير من أجل التحرك الإيجابي لمعالجة العديد من القضايا التي أرقت المواطنين، وأضاف أن الهدف العام من مسلسل «بلدي يا غزة» تبليغ رسالة من أهالي القطاع للعالم بأن يتحرك لإحقاق حقوق الفلسطيني الذي يعيش في القطاع مُحاصرًا ليس لديه أيٍّ من مقومات الحياة والكرامة إلا ما تجود به المعابر ورغم ذلك لا يرفع الراية البيضاء معلنًا يأسه واستسلامه.

يجتهد الخطيب وفريق العمل اجتناب أي شبهة استهزاء بأي من الفصائل والشخصيات الفلسطينية وذلك ليس إلا حرصًا على مبدأ الوحدة واحترام الشخصيات الفلسطينية على اختلاف رؤاها السياسية، يقول: «رؤيتنا واضحة لا نهزأ من أي جهة بل نؤكد على وحشية الحصار وقدرة الشعب برغم الألم على تحديه وهزمه».

ويلفت «الخطيب» النظر إلى استقلالية فريق العمل في انتقاء الأفكار التي يُعالجها ويُنظر لها، ويؤكد أنه يُعزز هذه الاستقلالية عبر عرض حلقات المُسلسل على الإنترنت بواسطة قنوات يوتيوب لتجنب فرض أي رؤية مقابل عرضه على أي محطة فضائية وقال: «نرغب في عرضه دون أن تمس رسالته».

وفي هذا المجال أوضح «الخطيب» أنه وفريق عمله يُحاولون استخدام هامش الحرية الموجود والمسموح به كاملًا وبحذافيره، ويُقر قائلًا: «نعم هناك هامش للحرية ولا يوجد حرية مطلقة ولكن لا بأس نستغله كاملًا من خلال طرحنا للموضوعات» ويأمل «الخطيب» بهامش أعلى من الحرية للتنظير حول كافة القضايا المجتمعية والسياسية مؤكدًا أن بعضًا من القضايا ممنوع علينا تناولها إلا وفق رؤية وسياسة قد تتعارض وطريقة العرض وهدفه فنتخلى عنها أحيانًا.

بس يا زلمة

فيما يُحاول محمود زعيتر 27 عامًا وفريق تشويش نقل هموم الشباب بقالب ساخر يُحاول من خلاله إيجاد حالة من التغيير الإيجابي لبعض السلوكيات والعادات السيئة في المجتمع، يؤكد زعيتر أن فكرة «ستاند أب» التي حملت عنوان «بس يا زلمة» تُحاول طرح قضايا اجتماعية بشكل فكاهي نقدي لسلوكيات المجتمع، ويقول لـ»الحدث»: «أحاول وفريق العمل نقد التصرفات والتعليق على الأحداث بأسلوب ساخر كأنما نُخاطب المشاهد وجهًا لوجه»، ويُشير إلى أن تلك الحالة تُلاقي رضا وإعجاب الناس وبعضهم يُحاول بعدها التغيير في سلوكياته.

تحديات

يؤكد «زعيتر» أن إيصال صوتهم ومهاراتهم وأدائهم الكوميدي أبدًا لم يكن سهلًا بل واجه تحديات ضعف الإمكانيات المُتاحة ليخرج عملًا بمستوى مميز يستطيع أن يترك بصمة لدى المشاهد، يقول لنا: «البداية كانت صعبة جدًا» مؤكدًا افتقار فريقه إلى معدات تُمكنه من التصوير مما اضطرهم استئجار كاميرا لإنتاج الحلقة الأولى التي أُخرجت بتقنية ضعيفة – وفق تعبيره- ويُنبه زعيتر إلى أن إصرارهم على إخراج الحلقة الثانية بتقنية أعلى جعلهم ينتظرون 4 أشهر من أجل توفير المعدات الخاصة وبتقنيات تُنتج عروضًا بتقنية جيدة تجذب المُشاهد وتُحقق لديه نسبة من الرضا، ويوضح أنهم في سبيل ذلك دفعوا ادخارهم على أمل أن يحصلوا على دعم لفكرتهم.

أغاني ع الوجع

ويعتبر «إسلام أيوب» وهو فنان كوميدي ومغني مشهور في الأفراح وله ستة أولاد أن الكوميديا السوداء وسيلة جيدة لكسر حاجز الصمت والبوح بالمعاناة التي يُقاسي تفاصيلها أبناء الشعب الفلسطيني بطريقة ساخرة لكنها توصل رسائل ليس لأصحاب القرار، بل أيضًا في العالم العربي الذي يُشارك بشكل أو بآخر في المعاناة.

يؤكد الرجل لـ»الحدث» أن أغانيه الساخرة طرحت هموم المواطنين في غزة بشكل وقالب مختلفين بعيدًا عن التداول السياسي لها في أروقة المؤتمرات واللقاءات الثنائية لحلها سياسيًا، ويُتابع قائلًا: «استطاعت الأغاني أن تُغير قليلًا من الواقع المُعاش» وأضاف أنها وضعت الجميع أمام المعاناة التي يتكبدها المواطن ليخرجوا عن حالة الصمت ويكفوا عن التواطؤ على المواطن الغزي واستطرد قائلًا :»أغنية فشي كهربا» حملت رسائل وعبارات عبرت عن الأزمة وكانت أكثر تأثيرًا في الجمهور وصناع القرار على حدٍّ سواء.

رجع الصدى

وتؤكد الفرق التي اعتمدت الكوميديا السوداء أن أعمالهم لاقت رواجًا كبيرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، تويتر، وقنوات يوتيوب، بالإضافة إلى اهتمام وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة في التعريف بهم وبأعمالهم، يقول الخطيب مدير فريق بلدي يا غزة: «حالة التجاوب مع ما يعرضه الفريق من قضايا اجتماعية أو سياسية لها انعكاساتها الإنسانية على حياة الناس كانت جدًا مميزة»، ولفت أن المسلسل لفت الانتباه واستطاع أن يُحرك الحكومة لاتخاذ إجراءات بما تستطيع .

فيما ألمحَ «زعيتر» أن فريق تشويش استطاع أن يُنبه لبعض المصطلحات الغزية المتناقضة في المعني، بالإضافة إلى انتقاد بعض العادات السلبية المُحرجة في المجتمع الفلسطيني في الأفراح أو المآتم وغيرها من المناسبات، يقول :»الكثير من الناس الذين نراهم بعد بث الحلقات يؤكدوا إقلاعهم عن تلك العادات وهذا معيار نجاحنا في إيصال الفكرة وتغيير السلوك».

ولا يختلف عنهم إسلام أيوب الذي يؤكد أن بعض أغنيه عن أزمات القطاع لاقت قبولًا عربيًا وتناقلها المغردون على تويتر وفيس بوك، موضحًا أن الأغنية كلما كانت تحمل كم كبير من السُخرية المرة كلما كانت أكثر وصولًا.

 

يُحاول الفنانون الخروج من طوق الأزمة إلى الكوميديا السوداء في إطار جلد الذات سعيًا للتنبيه إلى حقيقة الواقع المُعاش وجوهر المُعاناة التي يُقاسي تفاصيلها الفلسطينيون في قطاع غزة، وقد وجدوا في انقطاع الكهرباء وإطباق الحصار على القطاع ومنع المواد الأساسية عن أبناء شعبهم لأسباب وتحالفات سياسية بحتة؛ وجدوا فيها رسالة بليغة ومحاولة جديدة للتخفيف من وطأة المعاناة الناتجة عنها بأسلوب كوميدي يؤدي دوره بجدارة في كسر حاجز الصمت.