الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ترجمة الحدث | من الصهيونية المتطرفة إلى صهيونية المساواة

2018-11-19 06:41:59 AM
ترجمة الحدث |  من الصهيونية المتطرفة إلى صهيونية المساواة
ترجمة الحدث من الصهيونية المتطرفة إلى صهيونية المساواة

ترجمة الحدث - ريم ابو لبن

إن النهج السائد الذي قامت عليه "الصهيونية" يجعل الفلسطينيين رهائن للجدل الدائر بين اليهود فيما يتعلق بحدود الدولة، فيما يؤكد ذلك النهج بأن "إسرائيل" دولة "إجرامية". ولكن هناك طريقة لتبرير استيطان اليهود في الأراضي المحتلة على أساس الأخلاق السياسية وليس على أساس التاريخ. وهذا ما جاء في مقدمة مقال للرأي نشر على صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بنسختها الإنجليزية، كتبه حاييم غانس وهو أستاذ في النظرية القانونية والسياسية في جامعة تل أبيب، حيث استند في كتابة مقالة على ما نشره في كتابه المعنون بـ "نظرية سياسية للشعب اليهودي".  وقد رد عليه المؤرخ شلومو ساند في مقالٍ آخر ترجمته الحدث في وقت سابق بعنوان: المنطق الملتوي "للحق التاريخي" لليهود في إسرائيل.

 

وفيما يلي نص المقال مترجماً:

كل شخص يطوف حول أفكار القومي المتطرف مئير كاهان، والحزب اليساري الإسرائيلي "ميرتس" يجد بأنهما يلتقيان في قاسم مشترك على اعتبار أنهما يحملان "الفكر الصهيوني"، غير أن القاسم المشترك بينهما يتكون من مبدأين، ووفقاً لأحدهما فإن اليهود لديهم عدة أسباب قوية لتفسير وجودهم الجماعي كأمة واحدة، أما الآخر فيرى بأن ذلك الأمر يتحقق بوجود "أمة يهودية" على أرض "إسرائيل"، وتظهر هذه المبادئ في إعلان "إستقلال إسرائيل".

وفقاً لإحدى القراءات، فإن "الدولة القومية اليهودية" لم تنته بعد، ولم يفقد اليهود ملكيتهم لـ "أرض إسرائيل"، حتى عندما تم عزلهم فعلياً عنها، وذلك لأن الاقتصاد كان مفروضاَ عليهم.

وهذه الحقيقة ينطبق عليها المثل "صيد العصفورين بحجر واحد"؛ فهو يحول دون انتهاء صلاحيات اليهود أو ملكيتهم في فلسطين. إن هذا التفسير الخاص بـ "الصهيونية" ينطوي على تفوق اليهود وعلى الأقل كمجموعة على كل شخص آخر يعيش على أرض فلسطين: "فهم أصحاب الأرض".

الأساس الديني لهذا التفسير لا يحتاج إلى أي تفسير، غير أن المؤرخين الأيديولوجيين قد أسسوا الأساس الأكاديمي لنسخته العلمانية خلال السنوات الأولى في الجامعة العبرية بالقدس وفي ثلاثينات (1930)، ومن أبرز هؤلاء المؤرخين (بن صهيون دينور)، والذي عمل لاحقاً كوزير للتعليم في عدة حكومات، وكان الهدف الأساسي من كتاباته التاريخية (فيما يتعلق بالشعب اليهودي وأرض إسرائيل خلال الفترة ما قبل الصهيونية) هو تركيز اليهود بالأرض والحديث عن "المركزية اليهودية" في الأرض وفي الشتات أيضا.

وفقاً لـ دينور وإعلان "استقلال إسرائيل" فإنه لم يتوقف اليهود أبداً عن السعي والعودة والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وعليه فلم ينته حقهم بالأرض. وهذا يعني ضمنياً وبحسب الجامعات اليهودية أن الملكية الفلسطينية للأرض هي ملكية "يهودية" "والفلسطينيون ينهبونها ويسرقونها".

التفسير الثاني السائد لـ"الصهيونية" يبرر التفوق اليهودي من خلال التذرع بحقهم "الأممي" في تقرير المصير.

وهذا يفسر أن "الدولة القومية اليهودية هي دولة بها مؤسسات وثقافتها العامة الرسمية تقدم منافع خاصة للأشخاص الذين يقطنون في إطار تلك الدولة". هذا التفسير الذي جاء به الباحث القانوني الإسرائيلي (روت غافيسون) والذي لقي الدعم من قبل خبراء في مجال القانون والنظرية السياسية، وقد يعزز هذا القول ما ذكر في كتاب "إسرائيل وعائلة الأمم: دولة الأمة اليهودية وحقوق الإنسان"، والذي شارك بتأليفه أمون روبنشتاين، وهو أستاذ القانون الدستوري وكان يشغل منصب وزير التعليم سابقاً.

 

اليهودية ومحبي القطط

لا شك أن هذه المقاربات تعكس الموقف "الصهيوني" السائد، غير أن بعض الانتقادات التي وضعت وظهرت بعد مجيء "الصهيونية" قاتلة بالفعل، وهذه الانتقادات تؤدي إلى إيجاد ووضع استنتاجات لا أساس لها من الصحة، ومن تلك الأمثلة البارزة لما بعد "الصهيونية" ما يستند إليه كل من المؤرخ شلومو ساند وعالم الاجتماع يوري رام، فهما يجادلان بعدم إسناد مصطلح "الأمة" لـ "اليهود"، لاسيما وأنه وفي نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا فإن يهود العالم يفتقرون إلى الخصائص الأساسية كي يصبحو "أمة"، أي لا تتوفر لديهم الثقافة ولا حتى الأقاليم المشتركة.

وعليه، فإن إسناد كلمة "الأمة" إلى "اليهود" لهو أمر ينتمي لعالم غريب  كما قال (رام)، وهو أشبه بغزو "الأمة" لعالم محبي القطط كما ذكر (ساند).

ومن الواضح أن هذه الحجة كان من المفترض أن يتم نقلها إلى (الكونت كليرمون تونر) والذي أعلن في الجمعية الوطنية الفرنسية وبعد الثورة بأن بلاده ستمنح اليهود حقوقا كأفراد، وحقوقا كـ"أمة".

إن اليهود في القرن التاسع عشر وما قبله، وحتى اليوم لا يشكلون في الواقع "أمة " كاملة وعلى الطريقة التي جاء بها البولنديون على سبيل المثال، ولكنهم قد يعتبرون "دولة كاملة" استناداً لمجتمع محبي القطط بحسب ما قال المؤرخ شلومو ساند.

إن ما يجعل يهود العالم "أمة" بالمعنى الجزئي للكلمة، هو أن الصورة الاجتماعية التي يعبر عنها اليهود في دينهم وبيئاتهم الاجتماعية غير اليهودية بجانب فنهم وموسيقاهم ونسيج حياتهم كانت لتلك الدولة التي نشأت في فلسطين. وقد حدد هذا الأمر إلى حد كبير من قبل المجتمعات التي عاش بها اليهود، وهذا كان سبب "اضطهادهم" في أوروبا.

كما أن السبب وراء ذلك، بأن الحركة " الصهيونية" قد عرضت عليه ما يلي: "فرصة للتحول من كونها أمة فلسطينية فقط وضمن وضعها الاجتماعي، إلى دولة حقيقية وملموسة على أرض "إسرائيل".

يمكن بالطبع أن نتساءل ما إذا كان كل هذا مبرراً أم لا، ولكن هذه المسألة لا يناقشها الأكاديميون الذين جاءوا ما بعد الصهيونية.

أنهم ينتقدون (دينور) ومبدأ الحركة الصهيونية والمتمثل بالقومية اليهودية، وليس فقط لأنهم يسيئون تفسير مفهوم القومية، وإنما لأنهم يرتكزون فيها على تاريخ زائف.  

وهؤلاء يقفزون من نقد راسخ إلى استنتاجات غير صحيحة، وعلى سبيل المثال، بدلاً من (التأريخ) الذي طرحته الصهيونية السائدة، بأن القومية الوطنية مستمرة منذ عصور قديمة، يحاول المؤرخ (ساند) أن يقول بأنه لا توجد استمرارية وراثية لليهود ما بين القديم والحديث، ويترتب على ذلك أن الأمة اليهودية التي تولدت من قبل الصهيونية هي تلفيق كامل وهي دولة قد نشأت من فراغ.

إذا قيل بأن (التأريخ) الزائف الذي يدعم ملكية (الصهيونية) ليس سيئاً بما فيه الكفاية، لأن الأخلاق السياسية التي يعتمد عليها غير مقبولة أيضاً، فهي تسمح للأفراد والجماعات بإنشاء حقوق إقليمية من جانب واحد وعن طريق الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، والنهب الذي يتسبب به المستوطنون.

أخطر ما في الأمر، أن الملكية الصهيونية لا تشجع فقط صانعي السياسة على تحقيق سيادة يهودية من خلال قانون "القومية اليهودية" الذي اعتمد مؤخراً بجانب العديد من القوانين الإسرائيلية الأخرى، وإنما أيضاَ لإدامة الوضع الذي ظهر في الضفة الغربية خلال العقود الأخيرة ومنها: سيادة يهودية تغرق بشكل يومي في حياة الفلسطينيين وفي أبسط حقوقهم الإنسانية. هذه هي "الصهيونية" التي تسمى باللغة الإنجليزية "المتطرفة".

التفوق اليهودي يقابله القيم الدولية

ليس من المستغرب أن نجد علماء إسرائيليين معاصرين في القانون والنظرية السياسية يحملون فكر "الصهيونية"، فهم أفراد تدربوا على تطبيق التفكير النقدي للأمور السياسية والقانونية، لاسيما وأن كلا من غافيسون، وروبنشتاين وياكويسون، يبررون مليكة اليهود في أرض "إسرائيل" ليس من خلال الأسس التاريخية لإحياء الحقوق المكتسبة من طرف واحد في العصور القديمة، وإنما على أساس الحق الحديث والمعترف به عالميا في تقرير المصير"الوطني".

ومع ذلك، فإنهم يقدمون ذلك الحق اليهودي بشكل مضلل، كما لو أنه يبرر التسلسل الهرمي الذي يميز اليهود ويضعهم في مراتب أعلى، وعليه فإن تعريف غافيسون وما قدمه كلا من روبنشتاين وياكوبسون حول (تفوق اليهود) كلها تعريفات مضللة ولا تستند لما جاء في القانون الدولي والسياسات ورأي المنظرين السياسيين الغربيين.

صحيح أن الحق في "تقرير المصير الوطني" يمنح بعض الامتيازات لأعضاء المجموعة العرقية أو الثقافية داخل البلد الواحد، ولكن الامتيازات تكون محل نظر مثل حقوق اللغة الجماعية، وحقوق التمثيل في المجالس العامة للبلاد، وهذه الامتيازات فقط توضع للمقارنة مع أولئك الذين أصبحوا مواطنين من خلال الهجرة.

يمتلك شعبي "الفلمنكيين" "الوالون" وهم سكان بلجيكا امتيازات لغوية وثقافية تتعلق بمواطني بلدتهم ومن أصول كولومبية أو أوكرانية أو عربية. وفي المقابل لا يتمتع سكان الوالون في بلجيكا من سيادة على الطرف الآخر، وكلاهما يتمتعان بامتيازات جماعية متساوية بحكم انتمائهم الإثني والثقافي.

فإن الأكاديميين الذين عرفوا ما بعد "الصهيونية" لا يهاجمون كلا من غافيسون وروبنشتاين وذلك بسبب أخطائهم العلمية، وبدلاً من ذلك وكالمعتاد يعتمدون على الأخطاء التي ارتكبها المتحدثون الأكاديميون لدى التيار "الصهيوني" السائد.

ولقد قامت صحيفة هآرتس وبنسختها العبرية في الآونة الأخيرة بتقديم مثال على ذلك، حيث قام العالم السياسي نيف جوردون من جامعة بن غوريون بإخبار قرائه بأنه قام بنقل معلومات خاطئة كالتي أدلى بها كلا من غافيسون وروبنشتاين، ونقلها عنهم كاتب آخر في صحيفة "هآرتس" يدعى نياف درومي والذي يعمل باتجاه " التفوق اليهودي"، غير أنه اختار المساواة، فهو يعمل ضد الصهيونية نظراً لأن مفهوم كلا من غافيزون ووبروبنشتاين وغوردون عن الحق في تقرير المصير يشوبه التضليل، فإن الاختيار ما بين الصهيونية والمساواة هو خطأ كاذب.

وعليه، وجب تفسير "حق تقرير المصير" على أنه امتياز لجماعات الوطن، مثل الألمان في ألمانيا وشعبي الفلمنكيين والوالون في بلجيكا.

في "إسرائيل"، لا ينبغي أن يُفسر على أنه يتم تفضيل اليهود على الفلسطينيين، وبدلا من هذا التفسير ينبغي أن يميز كلا الطرفين، وعلى سبيل المثال تم إعطاء الميزات للمهاجرين الفلبينيين، فيما يتعلق بحقوقهم الثقافية والوطنية والجماعية.

يمكن القول أن الاستبعاد المذكور أعلاه للملكية الصهيونية قد يحرم إمكانية النظر إلى "اليهود" على أنهم مجموعة لديها أسبابها لرؤية أرض "إسرائيل" كوطن لها، ولذلك فإن الامتيازات الوطنية في "إسرائيل" لا تعود إلا للفلسطينيين.

وعلى الأغلب يمكن أن تقدم الامتيازات الوطنية لليهود الإسرائيليين بالطريقة التي تعود بها بالمنفعة على الدول المستعمرة والمستوطنة في العالم الجديد، وهذه الحقوق تقدم لليهود الإسرائيليين ليس لوجود مبرر مرتبط بتاريخ قديم على اعتبار أنهم يهود يعيشون خارج الأرض، وإقامة دولة يهودية لهم كاملة في فلسطين، بل أعطوا ذاك الحق للتطور التاريخي والهوية الوطنية التي ميزتهم بعد استقرارهم داخل فلسطين وفي كل مكان.

وهذا البديل هو مناهض للصهيونية وبلا تحفظ، لأنه يرفض التشكيل الصهيوني "لأمة يهودية" في فلسطين. والخيار الثاني هو معاداة للصهيونية، فهو ينفي أي علاقات تبريرية مقبولة بين يهود "إسرائيل" من جهة وتاريخ ومصالح العالم والجماعات اليهودية من جهة أخرى.

هذه الاستنتاجات قد تكون خاطئة، لاسيما وأن رفض اعتبار الرابط التاريخي ما بين اليهود المعاصرين والقدامى و"أرض إسرائيل" كأساس لإثبات ملكية اليهود حديثاً للأرض؛ لا ينفي أن تكون تلك الرابطة التاريخية مكوناً رئيسيا للمظهر الاجتماعي لليهود المعاصرين.

وكان اليهود يشكلون بشكل جزئي دولة، حتى قبل أن يشكل جزء من الإسرائيليين دولة كاملة، ولأن هذا الأمر كان سببا في اضطهاد اليهود، اقترحت الصهيونية حلاً وطنياً لها، وكان من الطبيعي بالنسبة للصهيونية أن تفضل ربط الأرض بالهوية اليهودية واعتبارهم أمة على أرض ومواقع عدة، كما في أوغندا والأرجنتين.

نسيج متماسك

وبصرف النظر عن اعتماد مفهوم المساواة في تقرير المصير، يبرر الصهاينة موقفهم من خلال طرح قضيتين مفادهما أولاً: لماذا تفضل "أرض إسرائيل" على أراض أخرى كموقع جغرافي لتحقيق القومية اليهودية؟

ثانياً: ما هو المبرر لتحقيق ذاك التفضيل على الرغم من أن الحقيقة تقول بأن الأرض كانت عربية؟

مفتاح الإجابة على السؤال الأول هو المظهر الاجتماعي لليهود في عصر الحداثة. أما السؤال الثاني فالإجابة تكمن في ضرورة خلق واستمرار الاضطهاد اليهودي في عصر الحداثة.

"إن هذا الأمر يجعل التفسير الحالي لـ "الصهيونية" متساوياً ليس فقط فيما يتعلق بوضع اليهود والفلسطينيين والتسوية المستقبلية لنزاعاتهم، خاصة وأن الطرفين يمتلكان حقهم بشكل متساو في مسألة تقرير المصير".

التيار الرئيسي الإسرائيلي يدرك هذين الشكلين من الصهيونية أي (المتطرفة والمساواة)، فلا يوجد أساس لهما لا في التاريخ الذي حفز الصهيونية وجعلها ناجحة، ولا في التاريخ اليهودي الذي سبق الصهيونية، ولا حتى في التاريخ اليهودي الذي تبع ظهور الصهيونية، وهو ليس مقبولاً لدى السياسات الأخلاقية والقانون الدولي، كما أنه لا يعزز مصلحة اليهودية أو المصلحة الصهيونية ولا حتى مصلحة "إسرائيل" ذاتها. وهذا ما جاء به حاييم غانس أستاذ في النظرية القانونية والسياسية في جامعة تل أبيب.