الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أين بايدن من قضايانا!/ بقلم: سامي سرحان

2021-02-24 01:14:27 PM
أين بايدن من قضايانا!/ بقلم: سامي سرحان
الرئيس عباس والرئيس الأمريكي جو بايدن- أرشيفية

 

لا شك أن فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية وانزياح دونالد ترامب عن سدة الرئاسة والمشهد الدولي، أحدث حراكاً دوليا في القارات الست وحرك المياه الآسنة في المستنقع العربي على وجه الخصوص خاصة تلك الدول التي راهنت على فوز ترامب بولاية ثانية وكشفت أوراقها وانحازت إليه في المعركة الانتخابية بشكل فج بعيدا عن الحنكة السياسية وعن مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى خاصة في انتخاباتها، رغم أننا نبالغ عندما نقول إن دولاً عربية تدخلت في الانتخابات الأمريكية وانحازت إلى صف ذلك المرشح، ذلك أن التأثير العربي على الانتخابات الأمريكية لا يكاد يرى بالعين المجردة.

وكانت صدمة مفاجأة فوز بايدن على ترامب سيد الأعراب وحامي حماهم ثقيلة، ذلك أن المطبعين من حكام العرب والسائرين في ركاب بنيامين نتنياهو وكوشنر من المغرب إلى البحرين ومن الإمارات إلى السودان وجدوا أنفسهم كالأيتام على مائدة جو بايدن الذي أضاف إليهم دولا أخرى وحكاما آخرين ولم يشفع لهم التطبيع مع الكيان الصهيوني ولا أبراهام، وتبخرت التحالفات الهشة مع أمريكا وطارت صفقات الأسلحة وطائرات أف -35 وفقد النظام العربي الرسمي توازنه وعاد يبحث في دفاتره القديمة فوجد شيئا اسمه جامعة الدول العربية التي طواها النسيان وعلا الغبار مقاعد أعضائها ورئيسها فتنادوا مصبحين وبدون روية وسابق إنذار أن هلموا إلى الاجتماع فقضية فلسطين (هذه التي هي قميص عثمان) في خطر، وهي لا تزال القضية المركزية للأمة العربية وبالطبع الأنظمة المطبعة وغير المطبعة، وأن العرب يريدون سلاماً عادلاً ودائما مع إسرائيل يقوم على حل الدولتين بمشاركة الرباعية الدولية وأمريكا على رأسها، ووضع المجتمعون في القاهرة من وزراء الخارجية مشاكلهم وثوابتهم على الطاولة وأولها المبادرة العربية التي داسها المطبعون بأقدامهم قبل أسابيع قليلة والتفتوا إلى واقعهم المزري والمخزي في آن واحد سواء في اليمن أو في ليبيا أو في سوريا والعراق، وتذكروا أن الأمن العربي في خطر ولا بد من التضامن العربي وجمع الكلمة والصف، وحسنا فعلوا بإنهاء الخلاف مع قطر رغم أن كوشنر وترامب هما من فرض إنهاء الخلاف ولو كان الأمر شكلياً.

العرب ينتظرون ماذا يقرر بايدن بشأنهم، ولم يكلف نفسه عناء الاتصال بأحد منهم، فهم بالنسبة لأمريكا ينتظرون الأوامر، وقد أصدرت بعضها وكانت قاسية على بعض حلفاء أمريكا التقليديين ورفع راية حقوق الإنسان وهي الراية الأكثر رعبا في العالم العربي، ذلك أن الإنسان العربي لا وجود له في نظر حكامه، وهي العصا الغليظة التي تهوي بها أمريكا على رأس كل دولة لا تتماشى مع سياساتها الاستعمارية أو تتمرد على قانون التبعية لأمريكا، وما لم يتخلص العرب وحكامهم من عقدة التبعية لأمريكا وأوروبا الغربية والدول الأجنبية على وجه العموم؛ فلن تقوم لهم قائمة وأولى خطوات خلاص العرب من التبعية للأجنبي أن يخطوا حكامهم خطوات باتجاه شعوبهم الذين هم مصدر شرعيتهم وليسوا عبيدا عندهم وليست ثروات أوطانهم ملكا لحكامهم وإنما لأبناء هذه الأوطان. بهذا النهج فقط يطمئن الحاكم العربي على مستقبله ومستقبل وطنه ولا ينتظر انتخابات البيت الأبيض أو الإليزيه أو عشرة داوننغ ستريت.

لقد وضع بايدن وإدارته الملف النووي الإيراني في سلم أولوياته في الشرق الأوسط وربط بطريقة غير مباشرة الوضع في اليمن في هذا الملف، وإن غلف الموقف الأمريكي من اليمن بقضايا إنسانية وهو يهز العصا للمملكة العربية السعودية رغم أن الحرب على اليمن أعلنت من واشنطن في عهد أوباما واستمرت في عهد ترامب ليتسلمها من جديد نائب أوباما الرئيس الحالي بايدن.

لقد ترك دونالد ترامب إرثا ثقيلا لجو بايدن سواء في الداخل الأمريكي أو على مستوى السياسة الخارجية. ويلاحظ أن بايدن وإدارته يتعاملان بجد مع هذا الإرث ولا يرفضانه بمجمله كما فعل ترامب مع إرث سلطة أوباما، فالعودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران لم يتما بشكل أوتوماتيكي كما تخيل البعض في الشرق الأوسط، ونراه يجند حلفاءه الأوروبيين لتبني الموقف الأمريكي في الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية والمالية بالتوازي مع فتح الاتفاق النووي ليشمل الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيرة إضافة إلى إلزام إيران بالانكفاء داخل حدودها والاهتمام بمشاكل شعبها وهي شروط رفضتها إيران مع ترامب الذي وعد بأن يكون أكثر سخاء من غيره إذا ما دخلت إيران في حوار معه حول اتفاق نووي جديد.

بايدن يسلك نفس طريق ترامب في قضايا ويحالفه بطريقة أكثر سلبية في قضايا أخرى، فقد جرد سيفه في وجه روسيا وبوتين على وجه التحديد رغم أنه وافق على مقترح تمديد العمل باتفاقية الصواريخ التي رفضها ترامب وهو يحاول انتهاج سياسة احتواء الصين بتعزيز تحالفه مع الهند وماليزيا وأستراليا وكوريا الجنوبية وحتى فيتنام وعسكرة البحار المحيطة بالصين.

وما يهمنا كفلسطينيين أن ترامب قد رحل عن البيت الأبيض ورحل معه صهره كوشنر ووزير خارجيته المتصهين بومبيو وانزاحت عن جدول أعمال الإدارة الأمريكية صفقة القرن والضم وإنكار وجود الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة في حدود الرابع من حزيران 1967.

وتحدث بايدن وإدارته عن حل الدولتين والقدس خاضعة للمفاوضات القضائية وإعادة القنصلية الأمريكية إلى القدس الشرقية وكذلك إعادة فتح ممثلية فلسطين في واشنطن وتقديم بعض المساعدات الإنسانية والمساعدات للأونروا.

ونشعر كفلسطينيين ببطء التحرك الأمريكي في هذه القضايا كما نشعر بعدم الاطمئنان لتحرك أمريكي فاعل يلزم إسرائيل بحل الدولتين وإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية ووقف الاستيطان المتسارع واعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزارعهم ووقف هدم بيوت الفلسطينيين وتعويض حل الدولتين وتجربتنا مع إدارة أوباما لا زالت ماثلة امام أعيننا ولا نخال الرئيس بايدن قد نسي تحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لإدارة أوباما ومخاطبته الكونغرس الأمريكي بدون دعوة البيت الأبيض ولا يزال نتنياهو رئيسا للوزراء رغم فساده وملاحقته قضائيا ولا يزال لديه استعداد لتحدي إدارة بايدن، أمر هام أقدمت عليه القيادة الفلسطينية بالاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وتجديد عضوية المجلس الوطني لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني كمدخل لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي ألحق أضراراً بالقضية الفلسطينية وتعزيز الوحدة الوطنية التي من أهم مظاهرها مشاركة الكل الفلسطيني في الانتخابات على قاعدة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

إن الفلسطينيين رغم تنكر إدارة ترامب لكل حقوقهم التاريخية والقانونية والطبيعية ومحاولاتها فرض صفقة القرن عليهم وإطلاق يد إسرائيل تعبث بالأمن الفلسطيني وأمن المنطقة على هواها لم يتخلّ ( الفلسطينيون ) عن إيمانهم بالسلام العادل والدائم وحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وفق قرارات الشرعية الدولية التي يتنكر لها الرئيس الأمريكي السابق وترك المنطقة على فوهة بركان ما يفرض على إدارة بايدن الجديدة تولي أهمية أكبر من سابقتها لعملية السلام.

ولا شك أن المراسيم التي أصدرها الرئيس أبو مازن سواء لجهد الذهاب إلى الانتخابات أو إطلاق الحريات العامة وعدم الاعتقال على خلفية سياسية أو تنظيمية، وجدت ارتياحا وترحيبا قويا من مختلف فئات الشعب الفلسطيني وأصدقاء فلسطين وهي خطوات في الاتجاه الصحيح لإثبات أن دولة فلسطين المستقلة ستكون من بين الدول الرائدة في مجال حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وهي قضايا ذات أهمية بالغة لتطور الدول واستقرارها وهي كذلك من القضايا التي يبدو أن جو بايدن يهتم بها وتأخذها بعين الاعتبار في سياساتها الدولية وإن كنا لا نذهب بعيدا في التفاؤل بأن هذه الإدارة الجديدة ستتخذ مواقف حاسمة من انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني وممارساتها العنصرية واستمرار احتلالها للأرض الفلسطينية وأراضٍ عربية أخرى ذلك أن إسرائيل هي البقرة المقدسة عند بايدن وترامب من قبله ومن سبقهم من رؤساء أمريكيين منذ إنشاء إسرائيل إلى اليوم.