الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قراءة في احصائيات المنشورات العلمية الصادرة من فلسطين بين الاعوام 1996-2013-بقلم د. طلال شهوان

2014-12-27 07:18:13 AM
قراءة في احصائيات المنشورات العلمية الصادرة من فلسطين بين الاعوام 1996-2013-بقلم د. طلال شهوان
صورة ارشيفية

 

يشهد العالم في السنوات الأخيرة حمى الإحصائيات الرقمية في المجالات المختلفة, ومن ضمن ذلك تأتي الإحصائيات الخاصة بالإنتاج العلمي على مستوى جامعات وبلدان العالم المختلفة. وحتى لا يتم الوقوع في فخ الأرقام في عالم اليوم الرقمي فإنه يجب لفت النظر مسبقاً لحقيقة هامة مفادها أن الاحصائيات الرقمية المتعلقة بالمنشورات العلمية لا تعكس بالضرورة تلازماً بين عددها و مساهمتها في خدمة تنمية الواقع المحلي للبلدان المختلفة, خصوصاً حينما يتعلق الأمر ببلدان تصدر المنشورات العلمية لها في مجلات ودوريات محدودة التأثير, ولا تتعدى دوافع البحث والإنتاج العلمي فيها السعي للترقيات الأكاديمية أو الإستفادة من مخصصات تمويلية متناثرة داخلياً وخارجياً لا تهدف للمساهمة الفعلية في تطوير البحث العلمي وربطه بالتنمية المجتمعية بقدر الحرص على أن تبدو كذلك.
في هذه المقالة محاولة لإستعراض موجز لوضع المنشورات العلمية الصادرة من فلسطين خلال الأعوام 1996-2013 بحسب التغطية الزمنية المتوفرة في موقع SCImagoJR, وهو أحد المواقع ذائعة الصيت عالمياً فيما يتعلق بقياس الإنتاج العلمي ومعاييره الكمية والنوعية.
 
الإزدياد المطرد في عدد المنشورات
تشير الاحصائيات إلى تزايد مستمر في عدد المنشورات العلمية الصادرة من فلسطين مع مرور السنوات. ففي العام 1996 كان مجموع المنشورات العلمية لا يتعدى 22 فقط, وإزداد الرقم سنة بسنة فوصل إلى 50 في العام 2000, و137 في العام 2005, و324 في العام 2010, و471 في العام 2013.
يبلغ عدد ما نشر من فلسطين بين الأعوام 1996-2013 ما مجموعه 3343 منشوراً علمياً في تخصصات مختلفة, وبحسب ذلك فإن فلسطين تحتل المرتبة 110 عالمياً بين 239 بلداً يدرجها موقع SCImagoJR, أما من حيث معدل الاقتباسات للمقالة الواحدة فإن مرتبة فلسطين عالمياً هي 177 وهو موقع متأخر, مما يستوجب مزيداً من التركيز على النوعية في المنشورات العلمية. وبناءً على هذه الأرقام فإن مساهمة فلسطين في عام 2013 فيما ينشر عالمياً قد قاربت 0.02 بالمئة, ومساهمتها فيما ينشر في المنطقة هي حوالي 0.36 بالمئة, علماً بأن 63% من المنشورات في 2013 تحتوي مؤلفين مشاركين من خارج فلسطين.
هذه الأرقام على تواضعها تشير إلى حضور فلسطين بشكل متنام على خارطة الإنتاج العلمي في المنطقة والعالم, وإلى تعاون واسع مع أكاديميين وباحثين في الخارج.

مكانة الإنتاج العلمي لفلسطين عربياً
بالنظر للعدد الكلي للمنشوراتالصادرة من البلدان العربية في الأعوام 1996-2013 فإن فلسطين تحتل المرتبة 16  بين 22 بلداً عربياً, حيث تحتل مصر, السعودية, وتونس المراتب الثلاث الأولى على التوالي. وإذا ما تم أخذ عدد السكان في كل بلد بعين الإعتبار فإن فلسطين ترتفع للمرتبة 13, حيث تقع الكويت, تونس, قطر على التوالي في المراتب الثلاث الأولى. أما من حيث متوسط عدد الاقتباسات للمقالة العلمية الواحدة فإن فلسطين تقع في المرتبة التاسعة عربياً, وهو ترتيب مشجع على المستوى العربي. ولكن يتوجب هنا لفت النظر إلى أن الدول العربية بشكل عام تقبع في مراكز متأخرة عالمياً في مجال الاقتباسات والمعايير النوعية للمنشورات العلمية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن مصر والسعودية وتونس تحتل على التوالي المراتب 42, 45, 52 عالمياً, وهي الدول العربية الأكثرغزارة في عدد المنشورات العلمية الكلي في الفترة الزمنية المغطاة, في حين تحتل دول اقليمية مثل تركيا المرتبة 20, وايران المرتبة 23 ضمن نفس المعيار. ومع ملاحظة أن الإنتاج العلمي لبعض الدول العربية كالسعودية وتونس والأردن والإمارات يتخذ خطاً تصاعدياً ملفتاً خلال السنوات الأخيرة إلا أنه قد يكون من قبيل تذوق لحقيقة غير مستساغة معرفة أن مجموع المنشورات العلمية الصادرة من كافة الدول العربية لا يزيد كثيراً عما أنتجته تركيا بمفردها, ويقل عما أنتجته دول أوروبية صغيرة نوعاً ما كالسويد وسويسرا, ويشكل ما يقارب خمسة بالمئة فقط مما أنتجته الولايات المتحدة الأمريكية خلال نفس الفترة. وإذا ما تم أخذ المعايير النوعية للإقتباسات بعين الإعتبار فإن الصورة تزداد قتامة.
 
توزع الإنتاج العلمي لفلسطين حسب الحقول التخصصية
اعتماداً على المعلومات التي يوردها الموقع في هذا المجال فإنه من الواضح أن العلوم الطبيعية (الكيمياء, الفيزياء, البيولوجيا, الرياضيات) تأتي في الطليعة بحيث تشكل المنشورات الصادرة في هذه التخصصات مجتمعة ما نسبته 27 بالمئة من مجموع المنشورات. يلي ذلك تباعاً الطب (13 بالمئة), الهندسة (12 بالمئة), علم المواد (7.6 بالمئة), العلوم البيئية (6.5 بالمئة), العلوم الإجتماعية (5.3 بالمئة), علم الكمبيوتر (5 بالمئة), وتتوزع باقي النسب على الحقول الأخرى بأرقام صغيرة. من اللافت للنظر بناءً على المعطيات المذكورة بأن هناك محدودية واضحة في المنشورات العلمية الصادرة من فلسطين في حقول العلوم الإقتصادية والأدب والإنسانيات مقارنة بغيرها من الحقول العلمية. وللاستدراك يتوجب الإلتفات إلى أن هذه الحقول العلمية تنتج جزءاً هاماً من منشوراتها باللغة العربية وهو ما قد يكون خارج نطاق تغطية قواعد المعلومات العالمية, ولكن من الضروري البحث في أسباب محدودية المنشورات في الدوريات العالمية بشكل أكثر تعمقاً وموضوعية, سيما وأن هذه الحقول لا تتطلب بنى تحتية مكلفة من أجهزة ومختبرات كما هي الحال بالنسبة للعلوم الطبيعية والتطبيقية.
 
ما هو المطلوب للإرتقاء بالوضع الحالي؟
عند كل مقارنة لفلسطين بجوارها من الدول في المجالات المختلفة يبدر للأذهان ضرورة أخذ الوضع الاستثنائي الذي تعيشه فلسطين سياسياً واقتصادياً بعين الاعتبار, وهو تحفظ مشروع إلى حد كبير ولكن ليس بالضرورة أن يعتبر بريئاً بالكامل تحت كل الظروف.  وإذا ما تعلق الأمر بالبحث والإنتاج العلمي في جامعات فلسطين فإن جملة من المصاعب تلقي بظلها الثقيل, فمن الضائقة التمويلية مروراً بضعف البنى التحتية البحثية وصولاً إلى شح الحوافز المادية والمعنوية يصبح الإنتاج البحثي والعلمي مرهوناً بمبادرات وانجازات فردية سعياً للترقيات الأكاديمية في غالبه, ومنسلخاً لدرجة كبيرة عن دوره المفترض مهنياً ومجتمعياً.
بالرغم مما سلف إلا أنه لا يبدو مسوغاً الإدعاء بأن الوضعية الحالية للإنتاج العلمي في فلسطين هي أفضل ما بالإمكان. وعلى الرغم من عدم وجود حلول جاهزة للإرتقاء بالوضع الحالي إلا أن هناك مساحة مفتوحة على الفعل الإيجابي, تنطلق حسبما أعتقد من مرتكزات أساسية تتعلق بالفرد الأكاديمي وبالجامعة وبالفضاء الرسمي والمجتمعي, وينبثق منها إطار عمل قد لا يكون واضح المعالم بشكل دقيق مسبقاً ولكنه قابل لإعادة التشكل والتطوير بحسب التعلم من التجربة. أما هذه المرتكزات فتتلخص بما يلي:
أولاً- على صعيد عضو الهيئة الأكاديمية, فإنه ينبغي تكريس حقيقة أن البحث العلمي مقوم أساسي لا تستقيم الشخصية الأكاديمية إلا به, ذلك أن دور الأكاديمي الجامعي لا يقتصر على نقل المعرفة فحسب بل هو شريك في انتاجها من خلال البحث والتطوير. أضف إلى ذلك أن البحث العلمي له دور فاعل أيضاً في العملية التعليمية داخل الجامعة.
ثانياً- للجامعات دور جوهري في تجذير البحث العلمي كثقافة وكممارسة, وهذا يقتضي بذل أقصى الطاقات من أجل تيسير النشاط البحثي وتشجيعه واستحداث ما يلزم من أنظمة وتعليمات تخدم هذا الغرض.
ثالثاً- أخذاً بعين الإعتبار بأن البحث العلمي الجاد هو نشاط معقد ومكلف في المجمل, فإن مواجهة التكاليف المترتبة على ذلك لا يجب أن توضع على كاهل الجامعات لوحدها, خصوصاً في الوضع الفلسطيني الذي ترزح فيه معظم الجامعات تحت وطأة مسؤوليات مالية ثقيلة دون توفر موارد كافية. وفي هذا السياق فلا بد من اسناد من القطاع الحكومي ومن القطاع الخاص, ليس على صعيد الدعم المالي فقط وإنما في مجال تحديد أولويات البحث العلمي وربطه بحل المشكلات المجتمعية والمحلية كذلك. لقد تم قبل ما يقارب السنتين تشكيل مجلس البحث العلمي في فلسطين, وهي خطوة ضرورية على طريق تشجيع واسناد البحث العلمي داخل وخارج الجامعات, ولكن ذلك المجلس يجب أن يتم توسيع دوره ودائرة تأثيره حتى يصبح له مساهمات رائدة في زيادة الوعي بأهمية البحث العلمي, وفي تفعيله وربطه بالتنمية الوطنية. ومن أجل المضي في هذا الإتجاه فإنه لا بد أن تشتمل مهماته على سبيل المثال لا الحصر على ما يلي:
·        تحديد أولويات البحث العلمي والتقني في ضوء تحديات الواقع المحلي, والحرص على دعم مشاريع للبنية التحتية في هذا الإطار, ولكن دون قصر الدعم على ذلك.
·       دعم وتسهيل التوجهات التكاملية والتشاركية بين الجامعات المحلية على صعيدي البحث والتعليم.
·       المساهمة في تطوير العلاقات بين قطاع الجامعات وقطاع الصناعة عن طريق دعم المشاريع التجسيرية والتدريبية, وتشجيع إنشاء حاضنات صناعية.
·       اكتشاف وتشجيع المواهب العلمية من خلال تنظيم مسابقات للإبتكار العلمي, وأولمبياد محلي للمتفوقين من طلبة المدارس في مجالات مختلفة, وما شابه.
·       مكافأة التميز العلمي من خلال تقديم جوائز سنوية لأكاديميين وباحثين متميزين, وتقديم المكافئات بشكل مستمر للنشر العلمي في مجلات ودوريات محكمة ومرموقة.
·       تعزيز فرص ومجالات التعاون والتبادل العلمي والتكنولوجي بين المؤسسات المحلية والمؤسسات الدولية.
·       إصدار مجلات علمية شعبية للدعاية والإحتفاء بالثقافة والمعرفة العلمية على المستوى المجتمعي.
 
ما من شك في أن الإرتقاء بالبحث والإنتاج العلمي يستوجب تخصيص ميزانيات ليست بالقليلة, ولكن أيضاً يجب النظر للموضوع كاستثمار استراتيجي تقتضيه مواكبة العصر وما ينطوي عليه ذلك من مصلحة وطنية عليا. كذلك فإن فقه الواقع يقتضي عدم استعجال مردود الدعم لنشاطات البحث والتطوير خلال مرحلتها الأولى, فسقف التوقعات يجب تحديده بشكل مرن ومتدرج حتى لا يورث خيبة الأمل على المدى القصير.
 
 
 

*أ.د. طلال شهوان/ عميد كلية الدراسات العليا – جامعة بيرزيت